الدكتورة نهلة درويش ، تكتب : أعيش ولا أعيش ، آمالنا وأحلامنا والانتظار الموجع ..
الدكتورة نهلة درويش ، تكتب : أعيش ولا أعيش ، آمالنا وأحلامنا والانتظار الموجع ..
الوطن العربى اليومية - القاهرة ..
تمر الأيام ويذهب العمر، ونكتشف فجأة أننا لم نعيش حياتنا كما تمنينا، أو وفقاً لتوقعاتنا وقناعتنا التي تشكلت بداخلنا.. البعض منا قد يقضي جزء كبير من حياته وهو ينتظر باشتياق ولهفة أمنية يتمناها أو حلم يريد تحقيقه.. ونظل نعتقد – أو نتخيل – بأن هذا الحلم أو هذه الأمنية تتوقف عليها سعادتنا في الحياة.. ومن ثم نعيش حالة من التعاسة والانتظار الموجع لحدوث ما نأمله أو نحلم به ونتوقعة من أقدار الحياة ومن أفعال الأخرين..
تمنى الزوج الطيب فارس الأحلام، تمنى الزوجة خلوقة الطبع جميلة المظهر، تمنى الولد، تمنى أن الأبناء تكبر وتتعلم أفضل تعليم وتتزوج أفضل الزيجات، تمنى المال والغنى والسعة في الرزق، تمنى مستوي معيشي أفضل، تمنى الحصول على أفضل فرص العمل بدرجة وظيفية عالية، تمنى الحصول على مسكن وبعد حصولنا على مسكن، نتمنى الحصول على مسكن أكبر وأفخم مجهز بأحدث الأجهزة والمفروشات.. تمنى الشفاء من المرض، تمنى فك الكرب وزوال الغمة، نتمنى الصحة الدائمة والسعادة العامرة، نتمنى الحب وراحة البال وفرحة القلب.. نتمنى العيش برفاهية ورخاء دون كدر أو تعب أو عناء..
كلها أحلام مشروعة، ولعلها تكون فطرة الله التي فطر الناس عليها، وهي استمرار تمنى الأفضل والدعاء بمزيد من الخير، وفقاً لوجة نظرنا في تحديد ما هو الخير.. ولكن مما لا شك فيه، أن البعض منا قد يقضى جزء كبير من حياته – أو حياته كلها – وهو ينتظر تحقيق الحلم (الخير) أي كان نوعه.. وفي أحياناً كثيرة، كثيرة جدا، يكون الانتظار موجع ومؤلم، وخاصة إذا ما تعلق الأمر بأمنية الشفاء من المرض أو الرزق بالولد أو إنكشاف الهم وزوال الهم.. على اعتبار أن كل هذا وغيره أمنيات تدخل ضمن نطاق القضاء والقدر وإرادة الله عز وجل.. لا حيلة لنا في تحقيقها إلا بالدعاء والتوسل لله عز وجل..
وهناك من يقضي عمره وهو مشغول بتحقيق الأحلام، مشغول بالعمل المضني لساعات طويلة لجلب مزيد من المال لتلبية متطلبات واحتياجات زوجتة وأبناءه الذين لا يتوقفون عن التطلع لكل ما هو جديد وحديث من السلع والمنتجات ذات التقنية المحدثة.. وكما يكون الزوج مشغول بالعمل العملي، فقد تكون الزوجة أيضاً مشغولة بفعل أشياء (خلاف العمل في حالة عملها)، مشغولة برعاية الأبناء وأداء أعمال المنزل، أو إنهاء بعض الأوراق والإجراءات المطلوبة..
نعم؛ هي حقيقة لقد خلقنا لنعمل ونكد ونتعب.. ولكننا فجأة نكتشف أن حياتنا قد انقضت دون أن نعيشها، دون أن نستمتع بلحظات معينة فيها.. لحظات نستنشق نفس عميق ونعيش اللحظة ونستمتع بالحياة دون لهث وراء المادة، ودون قلق وخوف من المستقبل..
والحقيقة؛ أننا قد نفتقر لثقافة كيفية التمتع بالحياة وعيش اللحظة، دون قلق وخوف وتفكير مرهق في المستقبل كيف سيكون، وما نتوقع حدوثه، وننتظره طويلاً، وربما يتحقق بعد فترة طالت أم قصرت.. أماني ندعو بتحقيقها، توقع أفعال وتصرفات معينة من الآخرين.. وعندما لا تتحقق الأحلام ولا تحدث التوقعات التي رسمناها بناءاً على تصرفات وأقوال الآخرين، أو بناءاً على وعود من بعض المسئولين في الدولة، نصاب بخيبة أمل وحالة شديدة من الأكتئاب والسخط على الحياة وعلى الآخرين..
وعادة ما نرجع سبب خيبة رجاءنا إلى حظنا العثر في الحياة، او قد نرجعه إلى عوامل أخرى، كالأنظمة والقوانين التي تنظم حياتنا وتسيطير عليها، ولا تمنحنا الفرصة العادلة والكافية لتحقيق أحلامنا، والأمال والتوقعات التي نتطلع إليها.. وهكذا ينتابنا حالة من السخط والغضب على الواقع الذي نعيشه، بما يتضمنه من أفراد يملكون درجة ما من السلطة والسيطرة على مجريات حياتنا.. البعض منا يرفض هذا الواقع رفضاً تاماً ويتمنى الهجرة إلى عالم أخر، عالم متواجد بمكان آخر على الأرض، أو بمكان آخر تحت الأرض..
ولكن؛ هناك إحتمالية واردة بأن توقعاتنا وتقييمنا للأشياء قد تحمل درجة من الخطأ، قد ينتج ذلك بسبب سوء فهم أو سوء تقدير للموقف أو لكلام وتصرفات الآخرين.. أو أنه قد ينتج عن سوء فهم لذاتنا ومحدودية أدراكنا للأمور والتعايش مع المشاكل ورسم حياتنا كما نتمناها..
وهنا تقع لب المشكلة، رسم حياتنا كما نتمناها.. فهل نحن فعلاً نملك ملكة التخطيط بمهارة لتحقيق مختلف أهداف ومشاريع حياتنا؟.. هل تم تربيتنا وتنشأتنا على حرية الاختيار والتخطيط لنيل الأشياء، هل نتمتع بصفة الصبر والمثابر والتصميم لمتابعة المشوار وتحقيق الهدف الذي نتمناه؟. هل فعلاً تعلمنا كيف نعيش؟ وكيف نتمتع بما لدينا من فرص ونعم، مهما كان حجمها أو نوعها؟.. هل فعلاً تعلمنا كيف نصنع السعادة بدلاً من الاستسلام لليأس والكآبة؟.. أم أننا قد اعتدنا واستسلمنا لأسلوب الوصاية على تصرفاتنا واختيارتنا.. ولعل هذا يمثل موضوع آخر، ولكني أرى أنه وثيق الصلة بموضوع كيفية العيش والتمتع بالحياة..
وفيما يبدوا، والله أعلم، أن البعض منا يقضي حياته في أنتظار تحقيق الأمنيات وهو فاقد لملكة التخطيط والمثابرة لفعل شيء.. والبعض الآخر يقضي حياته في العمل الدءوب المنهك لتحقيق بعض أمنياته دون أن يكون لديه فرصة للتمتع بالحياة.. وهناك فئة قد يكون لديها الموهبة والقدرة على تحقيق المعادلة الصعبة بين العمل لكسب المال وبين فرصة التمتع وعيش الحياة، هذه الفئة قد تكون ذات مستوى اجتماعي/ ثقافي ومادي مميز يسمح لها بأن يكون هناك وقت مخصص للعمل وممارسة مختلف الأنشطة: سياحة ورحلات – رياضة جولف ولياقة بدنية بمراكز مخصصة– ترفيه في أماكن مختلفة، كالمسرح والسينما والملاهي الليلة..الخ..
وعلى الرغم أن الربط بين مستوى الدخل وبين أسلوب عيش الحياة والتمتع بها هو ربط واقعي.. إلا إن الغني والبسيط على حد سواء لديه الحق في أن يعيش الحياة، كلاً له طريقة تفكيره التي قد تهديه لكيفية التمتع بالحياة، سواء تمثل ذلك في أكل الطعام أو قرأة كتاب أو التبضع وشراء سلع جديدة أو التواجد في مكان لتأمل منظر طبيعي خلاب.. وغير ذلك من أساليب التمتع بعيش الحياة الذي يفتقر معظمنا تنفيذه بإبداعية متجددة..
-------------------------------------------
كاتبة المقال : الأستاذة الدكتورة نهلة أحمد درويش - دكتوراة في الآداب ، علم الاجتماع ..
هذا الموضوع قابل للنسخ .. يمكنك نسخ أى رابط من تلك الروابط الثلاثة ولصقه بصفحاتك على المواقع الإجتماعية أو بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code: