غسيل الدماغ ، الأوهام والمفاهيم والشائعات ..
غسيل الدماغ ، الأوهام والمفاهيم والشائعات ..
غسيل الدماغ يعرف بمفهومه الشائع بين الناس على انها الطريقة الناجحة للسيطرة على أفكار و تصرفات شخص دون موافقته. بشكل عام مصطلح غسيل الدماغ يعني أن الضحية يمكن أن يتخلى عن رأي سياسي أو أجتماعي أو حتى أيمان ديني و يتصرف بشكل مضاد لأفكاره و معتقداته.
فغسيل الدماغ يطلق على الأشخاص الذين يتم أقناعهم بشي عن طريق الدعاية أو الاعلانات. لكن هذا الكلام محمل بالأوهام التي سنقرؤها في هذا المقال.
أوهام غسيل الدماغ ومفاهيمه الشائعة
هناك الكثير من الأوهام حول غسيل الدماغ . يعتبر البعض أن محاولة الأهل في تغيير سلوك و تفكير أبنائهم ليتماشوا مع المجتمع والثقافة و المبادئ العامة و حتى مبادئهم الشخصية هي نوع من غسيل الدماغ . و آخرين يعتقدون أن تقنية تعديل السلوك لتغيير تصرفات الشخص عن طريق الضبط الذاتي أو الأيحاء أو حتى العيادات المتخصصة أو ورش العمل هي نوع من غسيل الدماغ . آخرين يعتقدون أن الأعلانات وحتى الأغراء الجنسي هي أمثلة من غسيل الدماغ . هناك أيضاً من يعتقد أن أعطاء أدوية تخدر المرأة ليتم استغلالها جنسياً يعتبر غسيل الدماغ . و يرى البعض أنه عندما يستخدم الجيش أو مدراء السجون تقنية تذل و تجرد المجندين والسجناء من أنسانيتهم لأضعاف عزيمة الأفراد و جعلهم مذعنين أكثر هو أيضاً سيطرة على عقولهم. ويعتقد البعض أن المدرب عندما يهدد فريقه بعقاب جسدي ويذلهُ لأداء تمارين جسدية مرهقة جداً عن طريق المبالغة في التمارين لكسر الغرور وبناء روح الفريق من الممكن أن يكون غسيل الدماغ أيضاً.
أساليب بعض الدعاة ومعالجي العصر الجديد والروحانيين وتكتيكات هؤلاء تعرف أيضاً بتقنيات السيطرة على العقول. الكثيرون يعتقدون أنه عندما يختطف شخص بواسطة ارهابي ويتحول ليصبح متعاطفاً مع هذا الارهابي أيديولوجياً يعتقد أن الذي تم أختطافه هو ضحية غسيل الدماغ (ما يعرف بمتلازمة ستوكهولم). مثلاً عندما تبقى أمرأة مع رجل معتدي غالباً ما تصبح ضحية للغسيل الدماغ . الكثيرين يعتقدون أيضاً أن الرسائل اللاشعورية في موزاك (علامة تجارية في الموسيقى) في الدعايات أو الأشرطة الخاصة في التعليم الذاتي هي غسيل الدماغ . والكثيرين يؤمنون أن الليزر و الأشعاعات الموجهة والموجات تحت مستوى السمع (تحت الصوت – infrasound) و مولد النبضات الكهروطيسية غير النووية أو الدرجة القصوى لباعث الموجات الصغيرة الكهروطيسية لتشويش أو أضعاف الأشخاص أنها غسيل الدماغ. و الكثيرين يعتبرون أن (التعذيب، أفقاد الشعور، الخ) التي أتبعها الصينيون خلال الحرب الكورية هي تقنية غسيل دماغ و أدعاء خلق زومبي فو فودو (ديانة وثنية كانت منتشرة في أمريكا تتمحور حول أستخدام السحر الأسود) هي كلها محاولات للغسيل الدماغ .
و في النهاية قد لا نجد أحداً يشك أن تنويم الشخص مغناطيسياً هو نوع من غسيل الدماغ، أو قد لا يشك أحداً أن القيام ببرمجة شخص ألكترونياً للقيام بأوامر بدون وعي هو غسيل للدماغ فهل هذا حقيقي؟
توضيح مصطلح غسيل الدماغ
ان ما يجعل مصطلح غسيل الدماغ تافهاً هو التهاون في توضيح المصطلح. ولفهمه بصورة أكثر دقة أولاً يجب تحديد تجارب غسيل الدماغ لهؤلاء الذين يختارون ذلك في حرية و وعي. فالسيطرة على أفكار و تصرفات الأشخاص سواء بالضبط الذاتي او بمساعدة الآخرين هو موضوع مهم لكنه ليس غسيلاً للدماغ او برمجة الاشخاص بدون موافقتهم.
أستخدام الخوف او استخدام القوة و أجبار الأشخاص على فعل أشياء تريدها يجب ان لا يعتبر غسيلاً للدماغ . فالأستجواب لا ينجح في السيطرة على عقول الضحايا. إذ عندما يتوقف التهديد بالعقاب يتراجع أعتقاد الضحية بسيطرتك عليه ويتوقف عن فعل ما تريد. فلا تستطيع السيطرة على عقل شخص سيهرب منك حالما تتركه.
غسيل الدماغ لا يعني تخدير أمرأة ضعيفة لأغتصابها. و استخدام مولد ترددات لأضعاف الأشخاص أو تصديع رأسهم لا يعني السيطرة عليهم. انت لا تسيطر على أفكار وأفعال شخص فقط لأنك تستطيع فعل ما تريد لهم أو تهديدهم لفعل ما تريد. هناك عامل أساسي لغسيل الدماغ هو السيطرة على شخص آخر ليس فقط جعله في وضع لايستطيع فعل شي أزاءهُ او فعل اشياء له لا يستطيع أيقافها.
قصص وافلام الخيال وغسيل الدماغ
أكثر أوهام غسيل الدماغ مشتقة من اعمال الخيال في السينما مثل فلم “المرشح المنشوري”. حيث أن قاتلاً مأجوراً يبرمج على القتل عندما يتم حقنهُ و تنويمه مغناطيسياً، وبعد ذلك لا يتذكر أي مما حصل. و هناك كتب و أفلام أخرى تشير الى التنويم المغناطيسي على أنه أداة قوية، حيث يتم تنويم أمرأة جميلة و أستغلالها جنسياً أو برمجتها لتكون مرافق آلي أو قاتل مأجور ألخ. و هناك كتاب يدعي أنه مقتبس عن قصة حقيقية: سيطرة كاندي جونز (the control of candy jones) مجلة بليبوي، 1976 لـِ دونلد بين (donald baim) أستخدام التنويم المغناطيسي بهذه الطريقة ليس أكثر من أمنية نفكر بها.
هناك أيضاً روايات خيالية تصف عقار أو أجهزة كهربائية تزرع في الدماغ تسيطر على تصرفات الأشخاص. بالطبع إنه من المؤكد ان الضرر الدماغ ي (Brain Damage) والتنويم المغناطيسي، العقارات و الأجهزة الألكترونية التي تحاكي عمل الدماغ و الشبكة العصبية لها تأثير على الأفكار و حركات الجسد و التصرفات لكن المعرفة البشرية فيما يخص التأثيرات الكيميائية والأجهزة المحاكية لعمل الدماغ قد تطورت. ولكن حتى مع المعرفة التي لدينا اليوم فإن غسيل الدماغ بهذه الأساليب هي مستحيلة لدرجة الخيال.
نستطيع فعل اشياء متوقعة، كخسارة ذكرى معينة أو أثارة رغبة معينة لكن لا نستطيع فعل ذلك بطريقة غير متطفلة أو بأمتلاكنا القدرة على التحكم في الأفكار، الحركة أو التصرفات. من الممكن أن نبني جهاز يزرع في الدماغ يمكننا من التحكم في الأفكار و التصرفات عن طريق السيطرة على تفاعل عقار معين أو جهاز محفز. جهاز كهذا غير موجود اليوم و لا يمكن ان يكون موجوداً طبقاً للمعرفة المتوفرة اليوم في علم الأعصاب. (مع ذلك فإن أثنان من علماء الأعصاب، الدكتور روي بلاك (Roy Bakay) والدكتور فيليب كينيدي (Philip Kennedy)، طورا قطعة كهربائية تزرع في الدماغ ويتم تنشيطها عن طريق الأفكار وبالمقابل يمكن بواسطتها تحريك مؤشر الكمبيوتر)
الحكومة و غسيل الدماغ
هناك اعتقاد شائع أن الحكومة الأمريكية من خلال جيشها و الفروع الداخلية كالأستخبارات تستخدم عدداً من الأجهزة المخيفة هدفها تشويش الدماغ . أسلحة ليزر، أشعاعات موجهة، اجهزة موجات صوتية غير مسموعة (infrasound)، مولد موجات كهرومغناطيسية و موجات دقيقة عالية الطاقة وغير ذلك. من المعروف أن الحكومة قد قامت بأختبارات غسيل الدماغ على البشر بمعرفتهم أحياناً وأحياناً اخرى دون معرفتهم. أدعاءات الذين يقولون أنهم كانوا ضحايا “غسيل الدماغ ” يجب أن لا يتم نفيها كلياً أو جعلها غير محتملة. نظراً الى الطبيعة غير الاخلاقية لاختبارات اجهزة الاستخبارات الامريكية فتلك الاختبارات ممكنة. لكن الأسلحة المستخدمة في التجارب التي تهدف لتعطيل عمليات الدماغ لا يجب أن تعتبر “أسلحة غسيل الدماغ “. حيث أن أرباك أو تخدير قدرة الشخص من خلال مواد كيميائية أو الصعقات الكهربائية لا تسيطر على ذلك الشخص. جعل شخص يفقد السيطرة على نفسه ليس مثل السيطرة عليه. بذلك فنحن شبه متيقنين أن الحكومة لا تستطيع السيطرة على دماغ أي شخص، رغم أن الكثيرين يرغبون في قوة كهذه.
بعض من يؤمنون أنهم يتم السيطرة عليهم بواسطة هذه الأسلحة الألكترونية تبدو أدعائآتهم غير معقولة. على سبيل المثال من يدعون أن موجات الراديو و الموجات الدقيقة التي تجعل المتأثر بها يسمع أصوات من خلالها تبدو غير محتملة. نحن نعلم أن موجات الراديو و أي موجات من أي نوع من التردد تنتقل من خلال أجسادنا. السبب الذي يجعلنا نشغل الراديو أو التلفاز ونستمع الى الأصوات و الصور المنتقلة هو وجود المستقبل الذي يترجم الموجات الى أصوات و صور نستطيع رؤيتها. ما نعرفه عن الأستماع و رؤية الصور يجعل من غير المحتمل أن يتم أرسال أشارات الى الدماغ يجعل هذه الصور والأصوات تتحول الى صور و أصوات أخرى. ربما يوماً ما سيكون من الممكن أن يتم تحفيز الشبكات والأعصاب ألكترونياً أو كيميائياً على أستماع أو رؤية أشياء معينة بأختيار من يقوم بتجريب ذلك في وعيه. لكنه مستحيل في يومنا هذا. حتى وأن كان ممكناً، لن يكون الشخص خاضعاً بشكل تام لجميع الأوامر التي تبث لهُ لقتل رئيس الجمهورية مثلاً فقط لأنه سمع صوتاً من الموجات غير المسموعة يخبره بذلك. سماع الأصوات شي و الشعور بأنك خاضع لهن شي آخر تماماً.
هناك بعض التشابه بين أولئك الذين يدعون أنهم أختطفوا من قبل فضائيين و بين من يدعون أنهم تم السيطرة عليهم من قبل الأستخبارات الأمريكية. الى حد الآن مجموعة غسيل الدماغ لم تجد شخص يشبه (جون ماك)، وهو فيزيائي في جامعة هارفارد يدعي أن أفضل تفسير لأختطافات الفضائيين هو أن من يدعون ذلك تم أختطافهم من قبل فضائيين حقاً، وهو ليس خيالاً أو وهماً. من يدعون أنهم يتم السيطرة على عقولهم يعترضون بأن لا يوجد معالج يستطيع أخذ كلامهم بجدية. حيث يقولون أن المعالجين يحاولون علاجهم من وهمهم وليس أثبات مزاعمهم. ليس من الممكن أن يتم أتهام الأستخبارت من قبل المعالجين، كما حصل عند الأختطافات من قبل الفضائئين حيث تم أتهام الفضائيين عندما لم يجدوا معالجاً يأخذهم على محمل الجد. في الحقيقة الكثير منهم مقتنعين أن المعالجين أنفسهم جزء من المؤامرة لتغطية خضوعهم للغسيل الدماغ . البعض يعتقدون أن متلازمة الذكريات الخاطئة جزء من السيطرة. حيث يعتقدون أن فكرة الذكريات الخاطئة تم وضعها لكي لا يتم أخذهم على محمل الجد عندما يتذكرون أنهم كانوا ضحايا غسيل الدماغ . من الصعب التصديق أنه لا يوجد احد من معالجي العصر الجديد (طريقة زائفة للعلاج النفسي) مستعد لأخذهم على محمل الجد، إن لم يكونوا مستعدين للزعم أنهم ضحايا هذه التجارب أنفسهم (سيستغل معالجو العصر الجديد هذه الطريقة لجذب المزيد للشهرة وان لم يوافقوا الاشخاص الذين يدعون وجود ذكريات للاختطاف من الفضائيين فإنهم انفسهم قد يساهمون في استحداث وادعاء امور كهذه).
الاعلانات دون عتبة الحواس وغسيل الدماغ
أحدى أفشل الخرافات حول غسيل الدماغ هي أن هناك رسائل لا شعورية تؤثر على السلوك (بصرية او سمعية لكن اما ان تكون قصيرة جداً باجزاء من الثانية في التلفاز واما ان تكون صوتاً غير مسموع). بغض النظر عن الأعتقاد المنتشر بهذه الخرافة فأن الأدلة حول تأثيرها مأخوذة من الحكايات غير العلمية من أطراف معينة. حيث من العبث البحث في الأوساط العلمية عن أثبات أن الرسائل غير المسموعة مثل “لا تسرق” و “ضع هذا في مكانه” تقلل من سرقة الموظفين والعملاء أو تزيد من شراء الوجبات الخفيفة في دور السينما (شاعت قصة عن وجود مقطع 1/33 من الثانية في فيلم قديم يروج لمطعم برغر مجاور للسينما وان هذا المطعم قد دس ذلك الاعلان من معلومات حصل عليها من الاستخبارات الامريكية عن طريق الصدفة وانه صار غنياً وصار الناس كلهم يأتون بعد ان يرون الترويج غير أن الامر بمجمله قصة فحسب).
الفوضى و المضايقات ليست غسيل الدماغ
هذا التعبير يجب أن يجعل الأمر واضحاً لأشخاص كثيرين أن ما تظنونه حول غسيل الدماغ يجب أن يوصف بصورة مختلفة، كتغير السلوك أو الأعتقاد المشوش، الضرر الدماغ ي، التلاعب في السلوك، الأكراه و المضايقات الألكترونية. الناس لا يتحولون الى آليين عن طريق التنويم المغناطيسي أو زرع دماغ ي لقطعة معينة فيهم. وذلك ينبغي أن يكون واضحاً الآن ان هناك فهم خاطئ لحالة المعرفة العصبية اليوم و التقنيات التي من الممكن أن تؤثر على الدماغ .
أذا قمنا بتعديل المصطلح “غسيل الدماغ ” للحالات التي ينجح فيها الشخص في السيطرة على أفكار و تصرفات شخص آخر بدون موافقته فأن قائمتنا الأخيرة لما يعتقده الناس غسيل الدماغ ستتقلص الى خمس حالات فقط: التكتيكات الدينية والروحانية وتكتيكات معالجي العصر الجديد (New age therapist) في تجنيد الاشخاص. أيضاً تكتيكات الزوج الذي يسيطر على زوجته و متلازمة ستوكهولم (حالة نفسية تصيب المختطف عندما يظهر تعاطف مع مختطفهِ)، وما يسمى بغسيل الدماغ في الصين أثناء الحرب الكورية على السجناء الأمريكيين و خلق الزومبي في الفودو (الأموات الأحياء). والأخيرة تكون أما أحتيال أو أستخدام عقاقير تجعل الناس بلا حول أو قوة.
الشخص الذي يتم ترهيبه عن طريق شريكه أو حبيبه ليس ضحية غسيل الدماغ ، بل هو ضحية الخوف والأكراه. لكن هناك الكثير من الحالات حيث الشخص المعتدى عليه يحب من أعتدى عليه و يؤمن أن من أعتدى عليه يبادله الحب. ويبقى الضحية أعتداء بعد الآخر، ليس أنه يخشى ما سيلاقي من عقاب اذا رحل، لكنه حقاً لا يريد الرحيل. ربما أن الضحية لا يريد الرحيل لأنه يعتمد كلياً على المعتدى عليه\الحبيب. الضحية لا يبقى لأنه لا يوجد مكان آخر يأوي اليه. بل يبقى لأنه يحتاج الى الشخص الاخر الذي يعتدي عليه، فهو يعتمد عليه كلياً. أذا كان الرجل يستطيع أغواء أمرأة و جعلها تعتمد عليه كلياً فيمكنه السيطرة عليها. لكن أيمكن أن نقول أنه سيطر على عقلها؟ الى أي أحد، أن كان قد فعل ذلك، أيمكن له أن يأخذ أرادة الضحية؟ يمكنه أغواؤها لأتخاذ القرار الذي يريده لكن البقاء معهُ هو القرار الوحيد الذي تعرفه. ما أحتمالية حدوث ذلك؟ من الممكن أنها ستتخذ قرارها وتحاول تحسين سلوكه ربما أو أقناع نفسها أن الأمور لن تصبح أسوء مما هي عليه. أن لم يستخدم الرجل العنف أو الأكراه لأبقاء أمرأة بجانبه، عند ذلك يكون بقاءها قرار أتخذته في الماضي. كل مرة تتعرض للأساءة، تختار أن تبقى. يمكنهُ أستخدام الكلام الجميل وأغوائها للبقاء، لكن في مرحلة ما من العلاقة كانت حرة في الرحيل. فأن علاقة العنف و الأكراه و غسيل الدماغ لم تكن موجودة. فالمرأة التي تبدو تحت تأثير تعويذة من العنف والأكراه ليست ضحية غسيل الدماغ بل ضحية قراراتها الخاطئة. هذا لا يعني أننا لا نتعاطف مع محنتها أو لا نقدم المساعدات لها أن طلبت ذلك. هي في وضعها هذا بسبب سوء حظها و سلسلة من القرارات الخاطئة التي أتخذتها ليس بسبب غسيل الدماغ هذا بالطبع عندما تكون المرأة سليمة وليست مريضة نفسية. وأذا كانت مريضة فأن الرجل ليس من جعلها تتخذ هكذا قرارات، المعتدي يستغل هكذا ظروف لكنهُ ليس من خلقها.
التحقيقات، الاختطاف أو الدعوة
المختطفين؛ المحققين؛ او الدعاة لأغراض دينية أو روحية أو التنمية الذاتية. تختلف الدعوة عن الأختطف أو التحقيق في أمر ما. الدعوة لا تتم عن طريق أختطاف الأشخاص أو الأمساك بهم، ولا عن طريق أستخدام التعذيب كطريقة للتأثير. وهذا يخلق سؤالاً هو هل تتم السيطرة على هؤلاء الضحايا دون موافقتهم؟ بعض المجندين من قبل الدعاة ليسوا ضحايا لغسيل الدماغ وهم أعضاء مقتدرين في مجتمعاتهم. مثلاً المنتمين للديانات السائدة لا يعتبرون بالنسبة لنا ضحايا لغسيل الدماغ. لتغيير مبادئ وشخصية المرء وجعله يتصرف بشكل مناقض لنمط حياته وحمله على تغيير معتقداته وأيمانه السابق، هذه جميعها ليست بالضرورة غسيلاً للدماغ. بل تعتمد على نشاط الشخص في تغييره. أنا وأنت نعتقد أن الشخص الذي ينتمي الى جماعات غريبة أو غير طبيعية هو بالتأكيد ليس بكامل قواه العقلية اي بمعنى آخر تم السيطرة عليه لكن تصرفه لا شي عندما يقارن مع السلوكيات والتصرفات التي يقوم بها المؤمنون ببعض الديانات السائدة.
بينما بعض المنتمين لديانات غير سائدة يبدون لنا وكأنهم تعرضوا لغسيل دماغ الى درجة تجعلهم يقومون بشيء شيطاني لأنفسهم أو غيرهم بناء على طلب قائدهم، و قد يصل الأمر الى القتل أو الأنتحار. بعض المجندين في صفوف فكر معين يكونون في حالة ضعف فيتم أستغلال ذلك. مثل هؤلاء يكونون في حالة تشويش أو يكونون دون جذور فكرية وهم خلال مرحلة أنتقالية في حياتهم مثل الطلاب الجامعيين، أو ظروف صعبة مثل الفشل في الدراسة أو العمل، أو حدث شخصي مأساوي مثل موت صديق مقرب أو حبيب، أو حتى حدث عالمي مثل الحرب أو الإرهاب. البعض يكونون مرضى نفسيين أو متضررين عاطفياً أو محبطين او مصابين بمرض الأكتئاب، أو يعانون من الصدمات أو الأعتداءات الذاتية مثل تعاطي المخدرات أو معتدى عليهم من الآخرين.. ألخ. لكن قد لا يكون من مصلحة، الطائفة التي تقوم بضم المضطربين عاطفياً مثل هؤلاء كما قال لي أحد الدعاة:
الطوائف لها أيدلوجيات معقدة وأعتقادات بأن المرضى النفسيين أو المتضررين عاطفيا لا يمكنهم الأستيعاب بشكل جيد. هذه الأعتقادات ما تجعل الطوائف تسيطر على الشخص. حيث لا يريدون أشخاصاً يصعب السيطرة عليهم.
بينما البعض يبدون ضعيفين لمن يسيطر على أفكارهم وتصرفاتهم فان الدعاة يبحثون عن أشخاص يستطيعون أضعافهم. عن لسان أحد الدعاة أيضاً.
الطوائف تبحث عن القوة والذكاء والأشخاص المبتكرين. أيضاً يبحثون عن الأغنياء مهما كان وضعهم النفسي.
الهدف من أضعاف المنتمين للطائفة هو لجعلهم يتركون كل السيطرة على أفكارهم وتصرفاتهم. الهدف هو جعل أعضاء الطائفة يشعرون أنهم ركاب في سفينة بدون دفة قيادة في عاصفة في عرض البحر. وقائد الطائفة وحدهُ من يملك دفة القيادة والأبحار في السفينة الى ضفة الأمان.
هناك تقنيات متاحة للتلاعب بالضعفاء. منها أعطاءهم الحب الذي يشعرون أنهم لن يحصلوا عليه في مكان آخر. أقناعهم أنه من خلال الطائفة يستطيعون الحصول على ما يبحثون عنه، حتى أن كان ما يبحثون عنه مبهم لهم. أقناعهم أنهم يحتاجون أن يؤمنوا بالطائفة وأن الطائفة تؤمن بهم. أقناعهم أن أصدقائهم وعائلتهم خارج المجموعة ما هم الا عراقيل أمام خلاصهم. وعزلهم، فالطائفة فقط تستطيع أعطائهم ما يحتاجون له. والطائفة وحدها تحبهم. وتضحي من أجلهم. أذاً لم لا يضحون هم من أجل الطائفة؟ لكن الحب وحده من يجعل الطائفة تكسب المجنديين الجدد. الخوف محفز رائع لجعلهم يظنون أن رحيلهم عن الطائفة سوف يحطمهم. وأن لم يتعاونوا سوف يتم أدانتهم. وأنهم لا يستطيعون النجاة في هذا العالم التعيس بمفردهم. يجب على المجند أن يجعل المجنديين مذعورين.
الحب و الخوف ربما لا يكفيان، لذا يجب أستخدام الشعور بالذنب. أجعلهم يشعرون بالذنب العظيم لدرجة تجعلهم يراقبون أفكارهم الخاصة. تذكيرهم أنهم لا شي عندما يكونون وحدهم لكن معك يكونون كل شي. أملئهم بشعور الأحتقار ليتبدد شعور الغرور بداخلهم وينكرون ذاتهم ليكونوا فقط معك ولك.. أنت لا تعريهم من أي أحساس فقط بل تقنعهم أن الشخص المثالي هو المجرد من ذاته. أستمر بالضغط عليهم. وقم بأهانتهم من وقت الى آخر. بعد ذلك سيظنون أنه واجبهم هو إهانة أنفسهم. سيطر على ما يقرؤن وما يشاهدون وما يسمعون. بعد ذلك أجعلهم يقومون بألتزامات، صغيرة في البداية ثم أكبر ثم أكبر.. حتى تمتلك كل شي، جسدهم، روحهم. و لا تنسى أن تعطيهم المخدرات او تجوعهم أو تجعلهم يتأملون أو يرقصون أو يغنون لساعات من وقت الى آخر حتى يظنون أنهم خضعوا لتجربة صوفية. أجعلهم يظنون أن قوى خارجية جعلتهم يشعورن بالراحة هكذا. لن يتنازلوا عنها بعد ذلك. لا يشعرون أنهم كانوا أفضل يوما ما على الرغم من أنهم يبدون لنا كأنهم كانوا في الجحيم. وهم يظنون أنها الجنة.
أي دين لا يستخدم الشعور بالذنب و الترهيب للسيطرة على الأفكار؟ حتى بعض المعالجين يستخدمون الشعور بالذنب، الخوف، اعطاء ايجابيات الانتماء للجماعةللسيطرة على المرضى. إنهم يصلون على الضعفاء و يطالبون الولاء التام والثقة المطلقة كثمن للأمل بالشفاء. و غالباً ما يعزلونهم عن أحبائهم وأصدقائهم. يحاولون السيطرة عليهم. وطرق الدعوة والتجنيد لا تختلف كثيراً. هل الدعاة والمؤمنون والمرضى ضحايا بأرادة حرة؟ كيف نعرف الفرق بين من يكون ضحية بأرادتهِ ومن يكون ضحية دون موافقته؟ اذا لم نستطيع تبيين الفرق أذا لن نستطيع التمييز بين الحالات الحقيقية لغسيل الدماغ.
الدعاة والمتلاعبون الآخرون لا يستخدمون غسيل الدماغ الا أذا كانوا يريدون أن يجردوا ضحاياهم من الأرادة الحرة. يمكن أن يقال لشخص أن يتجرد من أراته الحرة من قبل شخص آخر إذا ما قدم سبباً مغرياً لذلك. كيف يمكننا أن نعرف أن هذا الشخص تجرد من أراته الحرة كنتيجة لأمر مغري جداً عن طريق الدين أو الروحانية أو فرق التمنية البشرية؟ ليس كافياً أن نقول أن تصرف الشخص غير المنطقي دليل كافي لتجردهِ من أراتهِ الحرة. ممكن أن يكون الفعل غير منطقي عندما يتخلى شخص عن ممتلكاتهِ أو يكرس وقته و قوته لأشباع رغبات القائد أو للقيام بأنتحار أو زرع قنابل لأن أحدهم أمر بذلك. لكن كيف يمكننا أن نفسر تصرفات غير منطقية كهذه على أنها تصرفات آليين بدون عقل؟ كل ما نعرفه أن أكثر الأمور غرابة وغير أنسانية وغير منطقية قام بها اشخاص تم تجنيدهم بإرادة حرة ومعرفة تامة وسعادة! ربما تمت عن طريق أشخاص مصابيين بضرر دماغي أو مجانين. بكل الأحوال هؤلاء الأشخاص ليسوا ضحايا لغسيل الدماغ.
يبقى لنا تفسير الأختطافات والتحقيقات. العزل المنظم والسيطرة على الأحاسيس الداخلية والتعذيب. هل هذه الطرق تسمح لنا في مسح ما كتب في الذاكرة وكتابة رسالة خاصة بنا؟ هل يمكننا حذف وأعادة زرع أفكار ونمط حياة معين في ضحايانا؟ في البداية يجب أن ننوه أنه ليس كل من تم أختطافه قد شعر بنوع من العاطفة أتجاه مختطفيه. من الممكن أن بعض المختطفين أو المعتقلين يصبحون في حالة خضوع لجلاديهم. حيث يكون في وضع شبيه لطفولتهِ ويبدأ بتوثيق العلاقة مع مختطفهِ تماماً كما يوثق الطفل علاقتهِ مع الشخص الذي يمده بالراحة. وأيضاً هناك هذا الأنبهار العجيب يتملك الكثيرين امام المتنمرين. نحن نخشاهم وحتى نكرههم ولكن غالباً ما نتمنى الأنضمام الى عصابتهم والأحتماء بهم. لا يبدو من المحتمل أن من يقع في حب مختطفيه أو من ينقلب ضد وطنه تحت التعذيب هم ضحايا لغسيل الدماغ. لا بد أن هناك تفسير لما يقوم به بعض الناس يبدون كباتريشا هيرست (Patricia Hearst) وهي فتاة أصبحت معروفة عالمياً بسبب حادثة أختطافها في سن التاسعة عشرة باتريشا اختطفت من قبل جماعة يسارية هددتها بالقتل وارعبتها لكنها لاحقاً اصبحت جزءاً من الجماعة وصارت تنفذ ما يطلبون منها، لاحقاً تم اعتقالها واتهامها بالسطو على بنك وهو احد الاعمال التي قامت بها لصالح الجماعة.
آخرين تحت نفس الظروف لم يصبحوا كذلك مثلا تانيا (فتاة تم أختطافها من قبل حارس المدرسة وأخفائها لمدة 10 سنوات).
مشكوك بالامر جداً أن غسيل الدماغ يلعب دوراً كبيراً في تفسير ما يحدث عن الاختطاف. تنجذب النساء الى رجال العصابات لكن ليس لديهن الكثير من الفرص للتفاعل مع ذلك. نحن لا نحتاج الى غسيل الدماغ لتفسير أرتباط باتريشا مع أحد مختطفيها. ربما أعتقدت أنها بحاجة الى ذلك من أجل النجاة. أو ربما تكون قد أنجذبت له، من يعرف؟ غسيل الدماغ هو طريقة أفضل للدفاع عن النفس من القول “لقد غيرت رأيي بخصوص الجرائم” عند مواجهات السطو على البنوك أو القتل.
الحرب الكورية وغسيل الدماغ
في النهاية الاعتقاد شائع بأن الصينيين نجحوا في غسل دماغ السجناء الأمريكيين خلال الحرب في كوريا. لكن الأدلة غائبة حول طرق تعذيبهم و عزلهم وتجريدهم من الأحساس.. الخ، كان ناجحاً للسيطرة على عقولهم غير موجودة. القليل من السجناء وهم (22 من أصل 4500 أو 0.5%) من السجناء ذهبوا الى الجانب الآخر وصاروا مع الصين وكوريا الشمالية (Sutherland 1979، 114). وعليه فإن خرافة نجاح الصينيين في غسيل الدماغ تعود الى أدوارد هانتر (Edward Hunter) صاحب كتاب غسيل الدماغ في الصين الحمراء، الضرر الذي تم احصاؤه لأدمغة الرجال (نيويورك 1951) والكتاب لا زال يشار اليه من قبل هؤلاء الذين يرون أن غسيل الدماغ يمثل خطراً محدقاً بنا اليوم. المخابرات الامريكية جعلت من هانتر مغذي لكراهية كوريا الشمالية و الشيوعيين و تفسير لماذا لم يكره بعض الجنود العدو، ولتفسير ما حدث تم ربط الامر بغسيل الدماغ.
الان لتعريف غسيل الدماغ على أنه سيطرة على الأفكار و التصرفات بدون موافقة المسيطر عليه أذا سيكون ذلك التعريف مجرد خيال.
وللأسف هذا لا يعني أنه من الممكن أن يبقى كذلك.
المصدر: http://skepdic.com/mindcont.html
هذا الموضوع قابل للنسخ .. يمكنك نسخ أى رابط من تلك الروابط الثلاثة ولصقه بصفحاتك على المواقع الإجتماعية أو بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code: